فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القاسمي:

{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً} أي: نعمة: {ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ} أي: قنوط عن عَوْدِهَا، قطوع رجاءه من فضله تعالى، من غير صبر ولا تسليم لقضائه: {كَفُورٌ} عظيم الكفران لما سلف له من التقلب في نعمة الله، كأنه لم ير خيرًا.
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي} أي: المصائب التي ساءتني: {إِنَّهُ لَفَرِحٌ} أي: أشر بطر: {فَخُورٌ} أي: على الناس بما أذاقه الله من نعمائه، قد شغله الفرح والفخر عن الشكر.
{إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا} أي: على الضراء، إيمانًا واستسلامًا لقضائه: {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} أي: في الرخاء والشدة، شكرًا لآلائه، سابقها ولاحقها: {أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ} أي: لذنوبهم بتلك الشدة: {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} أي: على الصبر والأعمال الصالحة.
تنبيه:
قال القاشاني قدس سره: ينبغي للإنسان أن يكون في الفقر والغنى، والشدة والرخاء، والمرض والصحة، واثقًا بالله، متوكلًا عليه، لا يحتجب عنه بوجود نعمة إلا بسعيه وتصرفه في الكسب، ولا بقوته وقدرته في الطلب ولا بسائر الأسباب والوسائط؛ لئلا يحصل اليأس عند فقدان تلك الأسباب والكفران والبطر والأشر عند وجودها، فيبعد بها عن الله تعالى، وينساه فينساه الله، بل يرى الإعطاء والمنع منه دون غيره. فإن أتاه رحمة من صحة أو نعمة شكره أولًا برؤية ذلك منه، وشهود المنعم في صورة النعمة، وذلك بالقلب ثم بالجوارح، باستعمالها في مراضيه وطاعته، والقيام بحقوقه تعالى فيها، ثم باللسان بالحمد والثناء متيقنًا بأنه القادر على سلبها، محافظًا عليها بشكرها، مستزيدًا إياها، اعتمادًا على قوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم} [إبراهيم: من الآية 7].
قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر. ثم إن نزعها منه فليصبر ولا يتأسف عليها، عالمًا بأنه هو الذي نزع دون غيره؛ لمصلحة تعود إليه، فإن الرب تعالى كالوالد المشفق في تربيته إياه، بل أرأف وأرحم، فإن الوالد محجوب عما يعلمه تعالى، إذ لا يرى إلا عاجل مصالحه وظاهرها، وهو العالم بالغيب والشهادة، فيعلم ما فيه صلاحه عاجلًا وآجلًا، راضيًا بفعله، راجيًا إعادة أحسن ما نزع منها إليه، إذ القانط من رحمته بعيد منه، لا يستوسع رحمته لضيق وعائه، محجوب عن ربوبيته، لا يرى عموم فيض رحمته ودوامه. ثم إذا أعادها لم يفرح بوجودها، كما لم يحزن بفقدانها، ولا يفخر بها على الناس، فإن ذلك من الجهل، وظهور النفس، وإلا لعلم أن ذلك ليس منه وله، وبأي سبب يسوغ له فخر بما ليس له ومنه؟ بل لله ومن الله.
وقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ} استثناء من (الإنسان) أي: هذا النوع يؤوس كفور، فرح فخور، في الحالين، إلا الذين صبروا مع الله واقفين معه، في حالة الضراء والنعماء والشدة والرخاء، كما قال عمر رضي الله عنه: الفقر والغنى مطيتان، لا أبالي أيهما أمتطي. انتهى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ}
عطف على جملة: {ولئن أخّرْنَا عنهم العذاب إلى أمّة معدُودة} [هود: 8].
فإنه لما ذكر أن ما هم فيه متاع إلى أجل معلوم عند الله.
وأنهم بطروا نعمة التمتيع فسخروا بتأخير العذاب، بيّنت هذه الآية أن أهل الضلالة راسخون في ذلك لأنّهم لا يفكّرون في غير اللّذَات الدنيوية فتجري انفعالاتهم على حسب ذلك دون رجاء لتغير الحال، ولا يتفكرون في أسباب النعيم والبؤس وتصرفات خالق الناس ومُقدّر أحوالهم، ولا يتّعظون بتقلبات أحوال الأمم، فشأن أهل الضلالة أنّهم إن حلّت بهم الضراءُ بعد النعمة ملكهم اليأس من الخير ونَسُوا النعمة فجحدوها وكفروا منعمها، فإنّ تأخير العذاب رحمةٌ وإتيان العذاب نزع لتلك الرحمة، وهذه الجملة في قوة التذييل.
فتعريف {الإنسان} تعريف الجنس مراد به الاستغراق، وبذلك اكتسبت الجملة قوة التذييل.
فمعيار العموم الاستثناء في قوله تعالى: {إلاّ الذّين صبرُوا وعملُوا الصّالحَات} [هود: 11] كما يأتي، فيكون الاستغراق عرفيًا جاريًا على اصطلاح القرآن من إطلاق لفظ الإنسان أو الناس، ولأن وصفي: {يؤوس كفور} يُناسبان المشركين فيتخصص العام بهم.
وقيل التّعريف في: {الإنسان} للعهد مراد منه إنسان خاص، فرَوى الواحدي عن ابن عبّاس أنّها نزلت في الوليد بن المغيرة.
وعنه أنّها نزلت في عبد الله بن أبي أميّة المخزومي.
ويجوز أن يكون المراد كلّ إنسان إذا حلّ به مثل ذلك على تفاوت في النّاس في هذا اليأس.
واللاّم موطئة للقسم.
والإذاقة مستعملة في إيصال الإدراك على وجه المجاز، واختيرت مادة الإذاقة لما تشعر به من إدراك أمر محبوب لأنّ المرء لا يذوق إلاّ ما يشتهيه.
والرحمة، أريدَ بها: رحمة الدنيا.
وأطلقت على أثرها وهو النعمة كالصحة والأمن والعافية، والمراد النعمة السابقة قبل نزول الضر.
والنزع حقيقته: خلع الثوب عن الجسد.
واستعمل هنا في سلب النعمة على طريقة الاستعارة، ولذلك عدّي بحرف (من) دون (عن) لأنّ المعنى على السلب والافتكاك، فذكر (من) تجريد للمجاز.
وجملة: {إنه ليؤوس كفور} جواب القسم، وجردت من الافتتاح باللاّم استغناء عنها بحرف التوكيد وبلام الابتداء في خبر (إنّ).
واستغني بجواب القسم عن جواب الشرط المقارن له كما هو شأن الكلام المشتمل على شرط وقسم كما تقدم في قوله: {ولئن أخّرنا عنهم العذاب} [هود: 8] إلى آخره.
واليؤوس والكفور مثالا مبالغة في الآيس وكافر النعمة، أي جاحدها، والمراد بالكفور: منكر نعمة الله لأنّه تصدُر منه أقوال وخواطر من السخط على ما انتابه كأنّه لم ينعم عليه قط.
وتأكيد الجملة باللاّم الموطئة للقسم وبحرف التوكيد في جملة جواب القسم لقصد تحقيق مضمونها وأنّه حقيقة ثابتة لا مبالغة فيها ولا تغليب.
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ}
هذه الجملة تتميم للّتي قبلها لأنها حكت حالة ضدّ الحالة في الّتي قبلها، وهي جملة قسم وشرط وجواب قسم كما تقدم في نظائرها.
وضمير: {أذقناه} المنصوب عائد إلى الإنسان فتعريفه كتعريف معاده للاستغراق بالمعنى المتقدم.
والنعماء بفتح النون وبالمد النعمة واختير هذا اللفظ هنا وإن كان لفظ النعمة أشهر لمحسن رعي النظير في زنة اللّفظين النعماء والضراء.
والمراد هنا النعمة الحاصلة بعد الضراء.
والمس مستعمل في مطلق الإصابة على وجه المجاز.
واختيار فعل الإذاقة لما تقدم، واختيار فعل المس بالنسبة إلى إدراك الضرّاء إيماء إلى أنّ إصابة الضرّاء أخفّ من إصابة النّعماء، وأن لطف الله شامل لعباده في كلّ حال.
وأكّدَت الجملة باللاّم الموطئة للقَسَم وبنون التّوكيد في جملة جواب القسم لمثل الغرض الذي بيّنّاه في الجملة السابقة.
وجعل جواب القسم القول للإشارة إلى أنّه تبجحٌ وتفاخر، فالخبر في قوله: {ذهب السيئات عنّي} مستعمل في الازدهاء والإعجاب، وذلك هو مقتضى زيادة: {عنّي} متعلقًا بـ: {ذهب} للإشارة إلى اعتقاد كل واحد أنّه حقيق بأن تَذهب عنه السيّئات غرورًا منه بنفسه، كما في قوله: {ولئن أذقناه رحمةً منّا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمةً ولئن رجعت إلى ربّي إن لي عندَه لَلْحسنى} [فصلت: 50].
وجملة: {إنّه لفرح فخور} استئناف ابتدائي للتعجيب من حاله، و(فرح وفخور) مثالاَ مبالغة، أي لشديد الفرح شديد الفخر.
وشدة الفرح: تجاوزه الحد وهو البطر والأشَر، كما في قوله: {إنّ اللّهَ لاَ يُحبُّ الْفَرحين} [القصص: 76].
والفخر: تباهي المرء على غيره بما له من الأشياء المحبوبة للنّاس.
والمعنى أنّه لا يشكر الله على النعمة بعد البأساء وَمَا كان فيه من الضرّاء فلا يتفكر في وجود خالق الأسباب وَنَاقل الأحوال، والمخالف بين أسبابها.
وفي معنى الآيتين قولُه في سورة [الشورى: 48]: {وَإنّا إذا أذقنا الإنسانَ منّا رحمةً فَرحَ بهَا وإن تصبهم سيئةٌ بما قدمت أيديهم فإنّ الإنسانَ كفور}.
{إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}
احتراس باستثناء من (الإنسان).
والمراد بالّذين صبروا المؤمنون بالله لأنّ الصبر من مقارنات الإيمان فَكنيَ بالذين صبروا عن المؤمنين فإنّ الإيمان يَرُوضُ صاحبَه على مفارقة الهوى ونبذ معتاد الضلالة.
قال تعالى: {إلاّ الّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصّالحَات وَتَوَاصَوْا بالْحَقّ وَتَوَاصَوْا بالصّبْر} [العصر: 3].
ومنْ معاني الصبر انتظار الفرج ولذلك أوثرَ هنا وصفُ {صبروا} دون {آمنوا} لأنّ المرادَ مقابلة حالهم بحال الكفّار في قوله: {إنّه ليؤوس كفور} [هود: 9].
ودل الاستثناء على أنّهم متّصفون بضد صفات المستثنى منهم.
وفي هذا تحذير من الوقوع فيما يماثل صفات الكافرين على اختلاف مقادير.
وقد نسجت الآية على هذا المنوال من الإجمال لتذهب نفوس السامعين من المؤمنين في طرق الحذر من صفتي اليأس وكفران النعمة، ومن صفتي الفرح والفخر كل مذهب ممكن.
وجملة: {أولئك لهم مغفرة وأجْرٌ كبير} مستأنفة ابتدائية.
والإتيان باسم الإشارة عقب وصفهم بما دل عليه الاستثناء وبالصبر وعمل الصالحات تنبيهٌ على أنّهم استحقوا ما يذكر بعد اسم الإشارة لأجْل ما ذكر قبله من الأوصاف كقوله: {أولَئكَ عَلَى هُدىً منْ رَبهمْ وأولئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُون} [البقرة: 5]. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ}
وهنا أيضًا تبدأ الآية الكريمة بقوله سبحانه: {وَلَئِنْ} وهذا يعني أن اللام قد سبقت لتدل على القسم، وكأنه يقول: لئن أذقنا الإنسان رحمة، ثم نزعناها منه لوقع في الياس.
وهنا أيضًا قسم وشرط، والقسم متقدم، فالجواب يكون للقسم.
وكلمة: {أَذَقْنَا} توضح أن الإذاقة محلها الأول الفم، ومعناها: تناول الشيء لإدراك طعمه: حلو أو مر، لاذع أوغير لاذع، قلوي أو حامض.
ومن العجيب في دقة التكوين الإنساني أن كل منطقة في اللسان لها طعم تنفعل له، فطرف اللسان ينفعل لطعم معين، ووسط اللسان ينفعل لطعم آخر، وجوانب اللسان تنفعل لطعم ثالث، وهكذا.
كل ذلك في عضو واحد شاء له الحق سبحانه هذه الدقة في التركيب.
وكل حلمة من مكوِّنات اللسان لها شيء تحس به؛ ولذلك نجد الإنسان يذوق الطعام، فيقول: إن هذا الطعام ينقصه الملح، أو يذوب الحلوى مثل الكنافة فيقول: إن السكر المحلاة به مضبوط.
وكذلك حرارة الجسم، يقيس الإنسان حرارته، فإن وجدها سبعة وثلاثين درجة ونصف الدرجة؛ فيقول: إنها حرارة طبيعية. وإن نقصت حرارة الإنسان عن ذلك يقال: إنه مصاب بالهبوط. وإن ارتفعت يقال: مصاب بالحمى.
وهذا قياس للحرارة بالجملة لجسم الإنسان، ولها المنافذ الخاصة بها. ولكن كل عضو في الجسم تلزمه درجة حرارة خاصة به ليؤدي عمله.
فالكبد إن قلَّت درجة حرارته عن أربعين درجة لا يؤدي مهمته. وجسم الإنسان فيه جوارح متعددة؛ وحرارة العين مثلًا تسع درجات؛ لأنها لو زادت حرارتها عن ذلك لانفجرت العين، وحرارة الأذن ثماني درجات.
وأنت لا تستطيع أن تأتي بأشياء مختلفة الحرارة وتضعها مع بعضها، ولكن الحق سبحانه وتعالى شاء ذلك بالنسبة للجسم الإنساني.
وهنا يقول الحق سبحانه: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان} [هود: 9].
والذوق هو للإدراك، لا للأكل، فأنت حين تشتري فاكهة يقول لك البائع: تفضَّل ذُقْ فتأخذ واحدة منها لتستطيب طعمها. فالذوق إذن هو تناول الشيء لإدراك طعمه. والنعمة حين يشاء الحق سبحانه وتعالى أن تصيب الإنسان، ثم تُنزَع منه، هنا يصاب الإنسان بالقلق أو الحزن أو الهلع، أو اليأس.
والنعمة مهما قلَّت فالإنسان يستطيبها، وإن نُزعت منه فهو يئوس كفور.
واليأس: هو قطع الأمل من حدوث شيء، ولأن الإنسان لا يملك الفعل، ولو كان يقدر عليه لما يئس.
والمؤمن لا ييأس أبدًا؛ لأن الله سبحانه هو القائل: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون} [يوسف: 87].
اليأس إذن هو أن تقطع الأمل من أمر مراد لك، ولا تملك الوسائل لتحققه. والذي ييأس هو الذي ليس له إله يركن إليه؛ لأن الله تعالى هو الركن الرشيد الشديد، والمؤمن إن فقد شيئًا يقول: إن الله سيُعوِّضني خيرًا منه. أما الذي لا إيمان له بإله فهو يقول: إن هذه الصدفة قد لا تتكرر مرة أخرى. فالإنسان الذي يُسْرَق منه جنيه قد يحزن، ولكن إذا ما كان عنده في المنزل عشرة جنيهات فهو يحزن قليلًا على الجنيه المفقود. والإنسان لا ييأس إلا عند عدم يقينه بمصدر يرد عليه ما يريده، ولكن حين يؤمن بمصدر يرد عليه ما يريده فلا تجده يائسًا قانطًا. والمؤمن يعلم أن النعمة لها واهب، إن جاءت شكر الله عليها، وإن سُلبت منه، فهو يعلم أن الحق سبحانه قد سلبها لحكمة.
والحق سبحانه وتعالى يقول هنا: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً} [هود: 9].
ونحن نعلم أن الإنسان مقصود به كل أبناء آدم عليه السلام وهم كثيرون، منهم المؤمن، ومنهم الكافر.
وهنا تأتي كلمة {الإنسان} على إطلاقها، ولكن الحق سبحانه وتعالى يستثنى المؤمن في موضع آخر حين يقول الحق سبحانه: {والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الذين آمَنُواْ} [العصر: 13].
و{الإنسان} مفرد يدل على الإنسان في كل مدلولاته، ويستثنى من نوع الإنسان من آمن به.
فإن رأيت كلمة إنسان فاعلم أن المراد بالإنسان أفراد الإنسان كلهم.
والإنسان لو عزل نفسه عن منهج الله تعالى فهو في خسران إلا إذا اتبع منهج الله، فالمنهج يحميه من الزلل، وتسير غرائزه إلى ما أراد الحق سبحانه لها.
فقد خلق الحق سبحانه الغرائز لمهام أساسية، فغريزة الجوع تجعل الإنسان يطلب الطعام، والعطش أراده الله سبحانه وتعالى لينتبه الإنسان إلى طلب الارتواء بالماء.
وغريزة بقاء النوع تدفع الإنسان للزواج، وغريزة حب الاستطلاع هي التي تدفع الإنسان إلى كشف المخترعات.
والحق سبحانه وتعالى هو القائل عن الساهين عن استكشاف آيات الله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105].
والباحث العلمي التجريبي المعلمي ينظر في ظواهر الكون ليستطلع أسرار الكون.
وهناك فارق بين حب الاستطلاع لاكتشاف أسرار الكون، وحب الاستطلاع لأخبار الناس.